فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

وبخهم بالاستفهام عن علة جهلهم، وقلة فهمهم وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق والفقه في اللغة الفهم، وأوقفته الشريعة على الفهم في الدين وأموره، وغلب عليه بعد الاستعمال في علم المسائل الأحكامية، والبلاغة في الاستفهام عن قلة فقههم بينة، لأنك إذا استفهمت عن علة أمر ما، فقد تضمن كلامك إيجاب ذلك الأمر تضمنًا لطيفًا بليغًا. اهـ.

.قال الفخر:

قالت المعتزلة: أجمع المفسرون على أن المراد من قوله: {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} أنهم لا يفقهون هذه الآية المذكورة في هذا الموضع، وهذا يقتضي وصف القرآن بأنه حديث، والحديث فعيل بمعنى مفعول، فيلزم منه أن يكون القرآن محدثا.
والجواب: مرادكم بالقرآن ليس إلا هذه العبارات، ونحن لا ننازع في كونها محدثة. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله تعالى: {فَمَالِ هَؤُلاء القوم} إلخ، كلام معترضٌ بين المُبينِ وبيانِه مَسوقٌ من جهته تعالى لتعييرهم بالجهل وتقبيحِ حالِهم والتعجيبِ من كمال غباوتِهم، والفاءُ لترتيبه على ما قبله، وقولُه تعالى: {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} حالٌ من هؤلاء والعاملُ فيها ما في الظروف من معنى الاستقرارِ، أي وحيث كان الأمرُ كذلك فأيُّ شيءٍ حصل لهم حالَ كونِهم بمعزل من أن يفقَهوا حديثًا؟ أو استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من الاستفهام كأنه قيل: ما بالُهم وماذا يصنعون حتى يُتعجّبَ منه أو يُسألَ عن سببه؟ فقيل: لا يكادون يفقهون حديثًا من الأحاديث أصلًا فيقولون ما يقولون، إذ لو فقِهوا شيئًا من ذلك لفهموا هذا النصَّ وما في معناه وما هو أوضحُ منه من النصوص القرآنية الناطقةِ بأن الكلَّ فائضٌ من عند الله تعالى وأن النعمةَ منه تعالى بطريق التفضلِ والإحسانِ، والبليةَ بطريق العقوبةِ على ذنوب العبادِ لاسيما النصُّ الواردُ عليهم في صحف موسى {وإبراهيم الذي وفى أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} ولم يُسنِدوا جنايةَ أنفسِهم إلى غيرهم. اهـ.

.قال الألوسي:

وقوله تعالى: {فَمَالِ هَؤُلاء القوم} أي اليهود والمنافقين المحتقرين {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ} أي يفهمون {حَدِيثًا} أي كلامًا يوعظون به وهو القرآن، أو كلامًا مّا أو كل شيء حدث وقرب عهده كلام من قبله تعالى معترض بين المبين وبيانه مسوق لتعييرهم بالجهل وتقبيح حالهم والتعجيب من كمال غباوتهم، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والجملة المنفية حالية والعامل فيها ما في الظرف من الاستقرار أو الظرف نفسه، والمعنى حيث كان الأمر كذلك فأي شيء حصل لهؤلاء حال كونهم بمعزل من أن يفقهوا نصوص القرآن الناطقة بأن الكل فائض من عند الله تعالى، أو بمعزل من أن يفهموا حديثًا مطلقًا حتى عدوا كالبهائم التي لا إفهام لها، أو بمعزل من أن يعقلوا صروف الدهر وتغيره حتى يعلموا أنه لها فاعلًا حقيقيًا بيده جميع الأمور ولا مدخل لأحد معه، ويجوز أن تكون الجملة استئنافًا مبنيًا على سؤال نشأ من الاستفهام وهو ظاهر، وعلى التقديرين فالكلام مخرج مخرج المبالغة في عدم فهمهم فلا ينافي اعتقادهم أن الحسنة من عند الله تعالى، ويفهم من كلام بعضهم أن المراد من الحديث هو ما تفوهوا به آنفًا حيث أنه يلزم منه تعدد الخالق المستلزم للشرك المؤدي إلى فساد العالم، وإن (ما) في حيز الأمر ردّ لهذا اللازم، وقدم لكونه أهم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{فَمَالِ هَؤُلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} يوعظون به، وهو القرآن فإنهم لو فهموه وتدبروا معانيه لعلموا أن الكل من عند الله سبحانه وتعالى، أو حديثًا ما كبهائم لا أفهام لها أو حادثًا من صروف الزمان فيفتكرون فيه فيعملون أن القابض والباسط هو الله سبحانه وتعالى. اهـ.

.قال الفخر:

الفقه: الفهم، يقال أوتى فلانا فقها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «فقهه في التأويل» أي فهمه. اهـ.

.قال في الميزان:

يشبه أن يكون الإنسان أول ما تنبه على معنى الحسن تنبه عليه من مشاهدة الجمال في أبناء نوعه الذي هو اعتدال الخلقة وتناسب نسب الأعضاء وخاصة في الوجه ثم في سائر الأمور المحسوسة من الطبيعيات ويرجع بالآخرة إلى موافقة الشيء لما يقصد من نوعه طبعا.
فحسن وجه الإنسان كون كل من العين والحاجب والأذن والأنف والفم وغيرها على حال أو صفة ينبغى أن يركب في نفسه عليها وكذا نسبة بعضها إلى بعض، وحينئذ تنجذب النفس ويميل الطبع إليه، ويسمى كون الشيء على خلاف هذا الوصف بالسوء والمساءة والقبح على اختلاف الاعتبارات الملحوظة فالمساءة معنى عدمي كما أن الحسن معنى وجودي.
ثم عمم ذلك إلى الأفعال والمعاني الاعتبارية والعناوين المقصودة في ظرف الاجتماع من حيث ملاءمتها لغرض الاجتماع وهو سعادة الحياة الإنسانية أو التمتع من الحياة، وعدم ملاءمتها فالعدل حسن، والإحسان إلى مستحقه حسن، والتعليم والتربية والنصح وما أشبه ذلك في مواردها حسنات والظلم والعدوان وما أشبه ذلك سيئات قبيحة لملاءمة القبيل الأول لسعادة الإنسان أو لتمتعه التام في ظرف اجتماعه وعدم ملاءمة القبيل الثاني لذلك وهذا القسم من الحسن وما يقابله تابع للفعل الذي يتصف به من حيث ملاءمته لغرض الاجتماع فمن الأفعال ما حسنه دائمي ثابت إذا كان ملاءمته لغاية الاجتماع وغرضه كذلك كالعدل، ومنها ما قبحه كذلك كالظلم.
ومن الأفعال ما يختلف حاله بحسب الأحوال والأوقات والأمكنة أو المجتمعات فالضحك والدعابة حسن عند الخلان لا عند الأعاظم وفي محافل السرور دون المآتم، ودون المساجد والمعابد والزنا وشرب الخمر حسن عند الغربيين دون المسلمين.
ولا تصغ إلى قول من يقول: إن الحسن والقبح مختلفان متغيران مطلقا من غير ثبات ولا دوام ولا كلية ويستدل على ذلك في مثل العدل والظلم بأن ما هو عدل عند أمة بإجراء أمور من مقررات اجتماعية غير ما هو عدل عند أمة أخرى بإنفاذ مقررات أخرى اجتماعية فلا يستقر معنى العدل على شيء معين فالجلد للزاني عدل في الإسلام وليس كذلك عند الغربيين، وهكذا.
وذلك أن هؤلاء قد اختلط عليهم الأمر، واشتبه المفهوم عندهم بالمصداق، ولا كلام لنا مع من هذامبلغ فهمه.
والإنسان على حسب تحول العوامل المؤثرة في الاجتماعات يرضى بتغيير جميع أحكامه الاجتماعية دفعة أو تدريجا ولا يرضى قط بأن يسلب عنه وصف العدل ويسمى ظالما، ولا بأن يجد ظلما لظالم إلا مع الاعتذار عنه وللكلام ذيل طويل يخرجنا الاشتغال به عن ما هو أهم منه.
ثم عمم معنى الحسن والقبح لسائر الحوادث الخارجية التي تستقبل الإنسان مدى حياته على حسب تأثير مختلف العوامل وهى الحوادث الفردية أو الاجتماعية التي منها ما يوافق آمال الإنسان ويلائم سعادته في حياته الفردية أو الاجتماعية من عافية أو صحة أو رخاء وتسمى حسنات ومنها ما ينافى ذلك كالبلايا والمحن من فقر أو مرض أو ذلة أو أسارة ونحو ذلك وتسمى سيئات.
فقد ظهر مما تقدم أن الحسنة والسيئة يتصف بهما الأمور أو الأفعال من جهة إضافتها إلى كمال نوع أو سعادة فرد أو غير ذلك فالحسن والقبح وصفان إضافيان وإن كانت الإضافة في بعض الموارد ثابتة لازمة وفى بعضها متغيرة كبذل المال الذي هو حسن بالنسبة إلى مستحقه وسيئ بالنسبة إلى غير المستحق.
وأن الحسن أمر ثبوتى دائما والمساءة والقبح معنى عدمي وهو فقدان الأمر صفة الملاءمة والموافقة المذكورة وإلا فمتن الشيء أو الفعل مع قطع النظر عن الموافقة وعدم الموافقة المذكورين واحد من غير تفاوت فيه أصلا.
فالزلزلة والسيل الهادم إذا حلا ساحة قوم كانا نعمتين حسنتين لأعدائهم وهما نازلتان سيئتان عليهم أنفسهم وكل بلاء عام في نظر الدين سراء إذا نزل بالكفار المفسدين في الأرض أو الفجار العتاة وهو بعينه ضراء إذا نزل بالأمة المؤمنة الصالحة.
وأكل الطعام حسن مباح إذا كان من مال آكله مثلا وهو بعينه سيئة محرمة إذا كان من مال الغير من غير رضى منه لفقدانه امتثال النهى الوارد عن أكل مال الغير بغير رضاه أو امتثال الأمر الوارد بالاقتصار على ما أحل الله والمباشرة بين الرجل والمرأة حسنة مباحة إذا كان عن ازدواج مثلا وسيئة محرمة إذا كان سفاحا من غير نكاح لفقدانه موافقة التكليف الإلهى فالحسنات عناوين وجودية في الأمور والأفعال والسيئات عناوين عدمية فيهما ومتن الشيء المتصف بالحسن والسوء واحد.
والذى يراه القرآن الشريف أن كل ما يقع عليه اسم الشيء ما خلا الله- عز اسمه مخلوق لله قال تعالى: {الله خالق كل شيء} [الزمر: 62] وقال تعالى: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} [الفرقان- 2].
والآيتان تثبتان الخلقة في كل شيء ثم قال تعالى: {الذى أحسن كل شيء خلقة} [السجدة: 7] فأثبت الحسن لكل مخلوق وهو حسن لازم للخلقة غير منفك عنها يدور مدارها.
فكل شيء له حظ من الحسن على قدر حظه من الخلقة والوجود والتأمل في معنى الحسن (على ما تقدم) يوضح ذلك مزيد إيضاح فإن الحسن موافقة الشيء وملاءمته للغرض المطلوب والغاية المقصودة منه وأجزاء الوجود وأبعاض هذا النظام الكونى متلائمة متوافقة وحاشا رب العالمين أن يخلق ما تتنافى أجزاؤه ويبطل بعضه بعضا فيخل بالغرض المطلوب أو يعجزه تعالى أو يبطل ما أراده من هذا النظام العجيب الذي يبهت العقل ويحير الفكرة وقد قال تعالى: {هو الله الواحد القهار} [الزمر: 4] وقال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام: 18] وقال تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا} [فاطر: 44] فهو تعالى لا يقهره شيء ولا يعجزه شيء في ما يريده من خلقه ويشاؤه في عباده.
فكل نعمة حسنة في الوجود منسوبة إليه تعالى وكذلك كل نازلة سيئة إلا أنها في نفسها أي بحسب أصل النسبة الدائرة بين موجودات المخلوقة منسوبة إليه تعالى وإن كانت بحسب نسبة أخرى سيئة وهذا هو الذي يفيده قوله تعالى: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] وقوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} [الأعراف: 131] إلى غيرذلك من الآيات.
وأما جهة السيئة فالقرآن الكريم يسندها في الإنسان إلى نفس الإنسان بقوله تعالى في هذه السورة: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}: الآية [النساء: 79] وقوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى: 30] وقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11] وقوله تعالى: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الأنفال: 53] وغيرها من الآيات.
وتوضيح ذلك أن الآيات السابقة كما عرفت تجعل هذه النوازل السيئة كالحسنات أمورا حسنة في خلقتها فلا يبقى لكونها سيئة إلا أنها لا تلائم طباع بعض الأشياء التي تتضرر بها فيرجع الأمر بالآخرة إلى أن الله لم يجد لهذه الأشياء المبتلاة المتضررة بما تطلبه وتشتاق إليه بحسب طباعها فإمساك الجود هذا هو الذي يعد بلية سيئة بالنسبة إلى هذه الأشياء المتضررة كما يوضحه كل الإيضاح قوله تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} [فاطر: 2].